الإمبراطورية المظلومة

- حسن أنفلوس
- الأحد, 18 مايو 2025, 17:37
الموثق صمام أمان، خزان معلومات ومعطيات حساسة جدا، لنقل “إمبراطور المعلومات والثروة”.
الموثق في خط تماس مع كثير من المؤسسات الاستراتيجية من النيابة العامة والقضاء والعدل إلى المالية والضرائب والمحافظة العقارية ومؤسسات تدبير الادخار من مثل صندوق الإيداع والتدبير، إلى جانب مؤسسات خاصة من شركات بمختلف تفرعاتها وتخصصاتها.. وغيرها كثير.
خط تماس يمكن أن “يحرق” الموثق و”يحرق” غيره.
الموثق، بصيغة الفرد التي تمتد إلى الجمع، يسير أموالا طائلة تفوق 150 مليار درهم سنويا، رقم رسمي أعلن عنه بمناسبة تخليد قرن من الزمن من بداية مهنة التوثيق بالمغرب.
هل تعلم ما معنى أن يسير الموثقون 150 مليار درهم سنويا من معاملات المغاربة وعملياتهم؟
المعنى في الحد الأدنى من الفهم أنهم يسيرون ثروة مهمة أو جزءا مهما من ثروة المغاربة.
وهنا مربط الفرس، حساسية المهنة من حيث أمن المعاملات واستقرارها وتعزيز الاستثمار وضمان مردوديته من باب الوثيقة والتوثيق.
تشعب علاقات الموثق مع مختلف المؤسسات، حمل ثقيل جدا، وبعدد لا يتجاوز 1800 موثق في المغرب يتم توثيق أكثر من 450 ألف عقد سنويا.
عدد الموثقين على ما يبدو أقل من التوقعات، وربما تكون الحاجة إلى الرفع من أعدادهم بعد النظر في شروط الولوج إلى المهنة.
الموثق، وهو إمبراطور الأسرار والمعلومات والثروة، مظلوم وسمح لنفسه أن يظلم، ويتحمل الجزء الكبير من هذا الظلم، لماذا؟
الموثق أحاط نفسه بغطاء من السرية “غير المشروعة” في إبراز دوره ومركزيته في الحياة اليومية للمغاربة.
الموثق عصب معاملات الناس بمختلف تنوعاتها.
هو المؤتمن على معاملاتهم وأموالهم، وهو في خط التماس مع أغلب المؤسسات الرسمية في الدولة.
أن تسير 150 مليار درهم سنويا من أموال المغاربة، وأن تضخ في خزينة الدولة أكثر من 10 ملايير درهم كل سنة، يعني أنك موثق، وأنك من بين الأوائل في تمويل الخزينة.
لكن في الوقت نفسه تلزم الصمت في الكثير من الأحيان ولا تعرف بهذا الجهد وهذا الثقل، ثقل مالي وثقل معلوماتي.
المناسبة شرط، حضرت مئوية تأسيس مهنة التوثيق بالمملكة المغربية 2025-1925، التي نظم المجلس الوطني لهيئة الموثقين بالمغرب بتعاون مع وزارة العدل لقاء وطنيا بمناسبتها، يومي 13 و14 ماي 2025 بالرباط، تحت شعار: “قرن من التوثيق… حبر يصون الحقوق، وختم يصنع الثقة في المستقبل”.
ليومين تقريبا وأنا متتبع لمختلف المدخلات من الافتتاح إلى الاختتام والتوصيات.
الخلاصة والقناعة، مهنة التوثيق ظلمت ومظلومة، من أهلها أولا لأنهم أحاطوا أنفسهم بسور كبير من السرية “غير المشروعة”، وفي المعطيات الخاصة فالسرية مشروعة ومفروضة.
مهنة التوثيق، ظلمت أو مظلومة، نظير بعض الممارسات المشينة والتجاوزات وصمت أهل المهنة في الدفاع عن الممارسات الراقية.
ومنه ولولا ذلك، لم أو لن ينازع الموثق اليوم في صلاحيات واختصاصات تدبير الودائع، وهو خط تماس بين هيئة الموثقين وصندوق الإيداع والتدبير، وإن رفع الموثقون شرط الحصرية في تدبير الودائع، وهو موضوع أخر يحتاج تفصيل أكثر من حيث الضمانات والقوانين المؤطرة في سياق الإصلاح القانوني المنتظر، وما يمكن أن يسفر عنه هذا الإصلاح.
نقطة أخرى من بين نقط كثيرة جميلة، ترافع الموثقين فيما يتعلق بالعقوبات التأديبية، ترافع جميل بحضور ممثلين عن النيابة العامة، وهيئات أخرى.
الجميل أن هيئة الموثقين بالمغرب تضم كفاءات “رهيبة” على مستوى ضبط القوانين وتفسيرها وتأويلها بالشكل السليم بما يتوافق مع ممارسات الواقع، وأكثر من ذلك هذه الكفاءات “الرهيبة” تقترح حلولا ومخرجات لتجاوز الإشكالات التي تعيق الرقي بمهنة التوثيق.
كفاءات تقارع ممثلي الهيئات القضائية وممثلي هيئات إدارية أخرى، بكل الصدق والاحترام والوقار اللازم.
في السياق، لابد من الإشارة إلى إسم من هذه الكفاءات “الرهيبة” من حيث ضبط القوانين والمراجع المنظمة، موثق إسمه “الخريصي الهاشمي”، وهو رئيس المجلس الجهوي لهيئة الموثقين بمراكش، ويشغل مهاما أخرى بالمجلس الوطني. اكتشفته لأول مرة بهذه المناسبة.
يحق لهيئة الموثقين بالمغرب أن تفتخر بمثل هذا المرجع، بل أن تنصبه “محاميا” لها لراجحة حججه وواقعية ترافعه بشهادة مسؤولين في جهاز القضاء، حاضرين في المناسبة، وفي الهيئة مراجع وقامات أخرى لا تقل عنه ضبطا للقوانين والمراجع، للإنصاف دون تمييز.
ذكرى مئوية طيبة للموثقين المغاربة ولكل هيئاتهم.
- آخر الأخبار, أبرز العناوين, الافتتاحية, الرئيسية, مؤسسات
- الاستثمار, التوثيق, الضرائب, العقار, المالية, المحافظة العقارية, النيابة العامة, وزارة العدل
- 0 تعليقات
أترك تعليقا