“ريع” شركات التنمية المحلية تحت مجهر المجلس الأعلى للحسابات
- المغرب الاقتصادي
- الجمعة, 29 ديسمبر 2023, 20:00
في سنة 2022، ضمت محفظة الجماعات الترابية 42 شركة موزعة بين سبع (7) شركات تنمية جهوية و30 شركة تنمية محلية وخمس (5) شركات تنمية. أما إجمالي رأسمال هذه الشركات فناهز مبلغ 5,89 مليار درهم، 99% منه مملوك لأجهزة عمومية، تشكل فيها حصة الجماعات الترابية حوالي 55% .
وبحسب التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم 2022 – 2023، تتمركز 23 شركة من أصل 42 في جهتي الدار البيضاء – سطات والرباط – سلا – القنيطرة، بمجموع رأسمال ناهز 97 % من إجمالي الرأسمال على المستوى الوطني.
وتنشط هذه الشركات أساسا في مجال التأهيل الحضري بمعدل 21% من مجموع الشركات، ثم في مجالات النقل الحضري وتدبير المرائب وباحات الوقوف وكذا تدبير المحطات الطرقية (10% عن كل مجال من هاته المجالات الثلاثة).
“دوباج” في رأسمال التأسيس
أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات في الفقرة التي خصصها لشركات التنمية المحلية، أنه يتم تضخيم مقدار رأسمال بأكثر من 10 مرات من أجل تأسيس شركات للتنمية المحلية.
وفي هذا الصدد، أبرز التقرير أنه تم إحداث سبع شركات برأسمال يفوق أحيانا 12 مرة حاجياتها من الأصول الثابتة actif immobilisé وقد أدى ذلك إلى استهلاك رأسمال أربع شركات منها لتغطية الخسائر المتراكمة الناتجة عن التوقف أو ضعف النشاط.
وأشار أيضا إلى أنه تم إنشاء شركات برساميل مرتفعة مقارنة بحاجياتها الاستثمارية اللازمة لتكوين أصولها الثابتة، خصوصا أن هذه الشركات ذات صبغة خدماتية ولا تحتاج إلى مجهودات استثمارية مهمة مقارنة مع شركات الأشغال أو الصناعة. وشدد التقرير، على ضرورة ملاءمة رأسمال الشركات مع حاجياتها الفعلية، في ظل ندرة مصادر التمويل العمومي مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة ترشيد وعقلنة التدبير.
تناف مفضوح
من بين المخاطر التي وقف عندها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، هو التعاقد مع مقاولات تابعة للمساهمين الخواص، حيث أبرز أن ثلاث شركات، يساهم الخواص في رأسمالها بنسب تتراوح بين 39% و49%، تقوم بالتعاقد من الباطن في إطار المناولة مع مقاولات أخرى تابعة للمساهمين الخواص في شركات التنمية المحلية.
ورغم أن هذه الاتفاقات مؤطرة بمقتضيات القانون رقم 17.95 المتعلق بشركات المساهمة، التي تخضعها لترخيص مسبق من طرف مجلس الإدارة ومصادقة لاحقة من طرف الجمعية العمومية. أكد التقرير أن هذا النوع من العقود بين شركتين يملك بعض أسهمهما نفس الأشخاص ينتج عنه تعاملات وتحويلات غير متحكم فيها، قد تفضي إلى استعمال أموال الشركة بشكل يتنافى مع مصالحها، لتفضيل المقاولة المناولة وتحويل أرباح مقنعة للمساهم، خصوصا في غياب أسس موضوعية لتحديد ملائم لأجرة الشركة، الأمر الذي قد يفسر الوضعية المالية الهشة لإحدى شركات التنمية المحلية.
تفريخ للشركات
أفاد التقرير أنه بالرغم من أن القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية تسمح بلجوء أي جماعة ترابية غير مساهمة إلى خدمات شركات متواجدة مسبقا، بتفعيل آلية التدبير المفوض أو الإشراف المنتدب أو عقود الشراكة، فقد لوحظ عدم استفادة أغلب الجماعات الترابية من هذه الإمكانية.
وهكذا عادة ما تلجأ الجماعات الترابية لإحداث شركات جديدة لتكليفها بنشاط معين، رغم وجود شركات أخرى على صعيد الجهة تهتم بتدبير أنشطة مماثلة، مما يؤدي إلى تواجد شركات ذات اختصاص ومجال متداخلين وتجزيء الحصة السوقية المخصصة لكل شركة. ولاحظ المجلس، أنه على مستوى جهة الدار البيضاء – سطات مثلا، تم إحداث ست شركات تنشط جميعها في مجال الإشراف المنتدب على الأشغال، مع تسجيل تداخلات فيما بينها.
عجز بنيوي
أكد التقرير أن شركات التنمية المحلية في حاجة لإرساء قواعد التدبير القائمة على النتائج والمردودية المالية والاقتصادية، على اعتبار أن الربحية والمردودية، على المديين المتوسط والبعيد، تشكل شرطين مفصليين لجذب المستثمرين الخواص.
غير أن تقرير المجلس، أبرز أن 5 % فقط من شركات التنمية المحلية استطاعت تحقيق مردودية على الرأسمال المستثمر TRI أو أنها في طريق تحقيقها، مضيفا أن شركة واحدة فقط تمكنت من تحقيق معدل مردودية للرأسمال المستثمر TRI بلغ 13% ، ويشكل هذا الإنجاز استثناء يجب تثمينه وتعميمه كممارسة فضلى.
وعلى مستوى الأمد القصير، ورغم تمكن خمس شركات من تحقيق أرباح سنوية، فإن الأمر لا يعزى إلى نتيجة الاستغلال وإنما يعود إلى تسجيل إيرادات مالية. ومن ناحية أخرى، تعاني 5 شركات، دون احتساب تلك المتوقفة عن النشاط، من وضعية مالية هشة تستوجب برنامجا عاجلا للإجراءات التصحيحية، وفق التقرير ذاته.
خروقات قانونية
وقف تقرير المجلس الأعلى للحسابات بخصوص هذه الشركات، عند أنظمتها الأساسية غير الملائمة لخصوصيات شركات التنمية المحلية، بحيث لم تحدد هذه الأنظمة بشكل دقيق بعض خصائص هذه الشركات. ولا تحظى بعض العناصر، كالمساهمين وهياكل الشركة وأصولها وأموالها، ببنود خاصة من أجل مراعاة أولويات وخصوصيات المرفق والتجهيزات العمومية، وضمان حقوق جميع الأطراف. وأكد التقرير أن أزيد من 85% من الأنظمة الأساسية (36 من أصل 42)، لم تتضمن البنود الخاصة المنصوص عليها في القوانين التنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية.
فعلى سبيل المثال، تطرقت ثلاثة أنظمة أساسية فقط لمنع شركات التنمية المحلية من المساهمة في شركات أخرى، بينما سمحت ثلاثة أنظمة أساسية أخرى بهذه الإمكانية، خلافا لمقتضيات القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية، في حين لم تتطرق باقي الأنظمة الأساسية لهذه المسألة.
تغييب للرقابة المالية
شدد تقرير المجلس الأعلى للحسابات على ضرورة إخضاع الشركات إلى المراقبة المالية للدولة وتحديد وضبط مكوناتها وأجهزتها، وذلك بعد أن لاحظ غياب تحديد دقيق لبعض مكونات وأجهزة الشركة على مستوى الأنظمة الأساسية، حيث لم تتم الإشارة إلى عدد المتصرفين الأوليين أعضاء مجلس الإدارة ولا تحديد أسمائهم وصفاتهم ولا مدة مهامهم.
وفي الإطار نفسه، يضيف التقرير، لم تتطرق الأنظمة الأساسية إلى تعيين مراقب الدولة، في حالة شركات الدولة. كما لم تحدد نوعية المراقبة المالية المعتمدة من بين المراقبات المنصوص عليها في القانون رقم 69.00 المتعلق بالمراقبة المالية للدولة على المنشآت العامة وهيئات أخرى.
أتعاب مبالغ فيها
أبرز التقرير، أنه لم يتم تحديد أجرة شركات التنمية المحلية، على مستوى الاتفاقيات، بناء على اعتبارات موضوعية مرتبطة بتحقيق النتائج أو مؤشرات الأداء، ولا على دراسات مالية متعلقة بهامش الربح. كما أن هذه الأجرة تختلف من عقد لآخر بالنسبة لنفس الالتزامات، من حيث طبيعة وحجم الأنشطة.
وعلى سبيل المثال، يورد التقرير، فقد تراوحت أجرة شركات التنمية المحلية عن قيامها بالإشراف المنتدب على الأشغال بين 2 و10%، في حين أن النسبة المعتمدة، على سبيل المقارنة، بقرار مشترك للوزير المكلف بالتجهيز والوزير المكلف بالاقتصاد والمالية، في مجال الإشراف المنتدب على الأشغال، تتراوح بين 2,5% و3,5% . ودعا التقرير إلى الحرص على وضع ضمانات التوازن المالي للعقد وتحديد أجرة ملائمة للشركة.
تأخر مزمن
أوضح تقرير المجلس، أن مساهمة الأجهزة العمومية في رأسمال شركات التنمية المحلية بلغت حوالي 5 ملايير درهم، مع تعبئة موارد سنوية إضافية ناهزت 562 مليون درهم. غير أن هذه الشركات لم تحقق كامل الأهداف المتوخاة ولا القيمة المضافة المتوقعة. ويتجلى ذلك من خلال تجاوز آجال تنفيذ المشاريع المسندة إليها مع ارتفاع كلفتها أحيانا، بنسب قد تفوق 30%، ودون تجاوز المشاكل البنيوية المرصودة قبل إحداثها.
وبصفة عامة، يشير التقرير، عرف إنجاز المشاريع تأخرا يتراوح بين سنة واحدة وسبع سنوات. ويعزى هذا الوضع إلى غياب ضبط للآجال وللكلفة التعاقدية، وعدم وفاء الجماعات الترابية بالتزاماتها في مجال الرخص الإدارية والتمويل وتوفير العقار، وهو ما قد يفضي بالنتيجة إلى ارتفاع تكاليف المشاريع بشكل غير متحكم فيه، خصوصا في ظل غياب تتبع فعال مقرون بمؤشرات النجاعة.
- آخر الأخبار, أبرز العناوين, الرئيسية, مؤسسات
- 0 تعليقات
أترك تعليقا