الباقي استخلاصه..  “سرطان” ينخر المالية العمومية ويعيق تمويل الإصلاحات الكبرى

تصل قيمة الديون المستحقة برسم الضرائب الباقي استخلاصها، إلى حوالي 100  مليار درهم في متم 2022 . يشكل الباقي استخلاصه عثرة حقيقية للاقتصاد الوطني برمته و”سرطانا” ينخر توازن المالية العمومية، ذلك أن المداخيل الضريبية تشكل المورد الرئيسي من المداخيل العادية للميزانية العامة، حيث بلغت حصتها 83%  من هذه الأخيرة بمبلغ ناهز 252 مليار درهم برسم 2022، وفق تقرير مجلس الحسابات برسم 2022-2023 .

التقرير ذاته، كشف أنه خلال الفترة الممتدة من 2017 إلى 2021، عرف الباقي استخلاصه ارتفاعا متواصلا ليبلغ 86 مليار درهم نهاية 2021، بعد أن كان هذا المبلغ مقدرا، بتاريخ 31 دجنبر 2016، في 61,6 مليار درهم.

ضعف معدلات التحصيل

وقف تقرير المجلس للحسابات عند ضعف معدلات تحصيل الديون المستحقة برسم الضرائب الباقي استخلاصها، حيث أشار إلى الارتفاع المتواصل لمبلغ الباقي استخلاصه والذي يتطلب تحسين كفاءة وظيفة التحصيل.

وأورد التقرير، أن هذا الارتفاع الذي بلغ 86 مليار درهم نهاية 2021، نتج  بالإضافة إلى الذعائر والغرامات والزيادات عن التأخير المسجل في نفس الفترة، عن الفارق بين مبالغ تكفلات قباض الإدارة الجبائية خلال هذه الفترة التي تجاوزت 124 مليار درهم من جهة، ومجموع المداخيل (62 مليار درهم) والديون المقبولة للإلغاء (19 مليار درهم) والإسقاطات (32 مليار درهم) التي تمت خلال نفس الفترة من جهة أخرى.

وبذلك وصل هذا الفارق إلى 11 مليار درهم، وهو ما يمثل ارتفاعا بحوالي 19%، في حين أن الهدف الاستراتيجي للمديرية العامة للضرائب هو تقليصه سنويًا بنسبة 10%  على الأقل خلال الفترة سالفة الذكر.

وعرفت حصة تحصيل الديون الضريبية المتكفل بها خلال السنوات السابقة من مجموع مداخيل السنة تراجعا كبيرا، حيث انتقلت من 21%  في 2017 إلى 5% سنة2021 . وبرسم الباقي استخلاصه عند بداية كل سنة، فإن معدلات تحصيله لم تتجاوز 4% سنة 2017  و5% في 2018 و2 %  إلى 3% خلال السنوات 2019 و2020 و2021. وتعكس هذه الوضعية بشكل خاص، وفق التقرير، ضعف معدل تحصيل التكفلات وكذا الصعوبات الحقيقية في تصفية ما يعادل نسبة 49%  من الباقي استخلاصه.

وأكد التقرير بناء على ذلك، أن الإجراءات والتدابير التي اتخذتها المديرية العامة للضرائب الهادفة إلى تحسين كفاءة وظيفة التحصيل، وفقا للمخطط الاستراتيجي للفترة 2017-2021، لم تكن كافية لتحقيق مستويات الإنجاز المتوقعة التي من شأنها أن تتيح موارد إضافية لميزانية الدولة وأن تساهم في التخفيض من الباقي استخلاصه.

100 مليار غير مستخلصة في 2022

في سنة 2022 بلغت مداخيل الضرائب والرسوم 148.8 مليار درهم، تأتت من تدبير وتحصيل الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة الداخلية والضريبة على الدخل بالإضافة إلى رسوم التسجيل والتمبر، التي قامت بها المديرية العامة للضرائب.   غير أن الديون المستحقة برسم الضرائب المدبرة والمحصلة من طرف المديرية العامة للضرائب، والتي تشكل الباقي استخلاصه، عرفت تراكما متواليا لتبلغ حوالي 100  مليار درهم في متم 2022.

وبحسب التقرير، يعتمد النظام الضريبي أساسا على التصريح والدفع التلقائي الذي شكل 94%  من مجموع مداخيل المديرية العامة للضرائب لهذه السنة، فيما شكلت المداخيل الإضافية الناتجة عن إصدارات مصالح الوعاء ومصالح المراقبة الضريبية وإجراءات التحصيل الجبري 6%  من المداخيل، محققة نحو 13 مليار درهم برسم نفس السنة.

وخلال تقييم أداء المديرية العامة للضرائب في تحصيل الديون الضريبية في الفترة الممتدة بين 2017 و2021، من قبل مجلس الحسابات، تم الوقوف عند المستوى الكبير للديون المستحقة لفائدة المديرية العامة للضرائب، رغم ما يشكله من عائق أمام حاجة الدولة المتزايدة للموارد اللازمة لتمويل الإصلاحات الكبرى التي انخرطت فيها، وكذا تعزيز العدالة وقيم المواطنة الضريبية.

 إنجازات دون المستوى

حدد المخطط الاستراتيجي للمديرية العامة للضرائب للفترة 2017-2021 مجموعة من الأهداف المتعلقة بالتحصيل التي تسعى المديرية لبلوغها. ورغم الجهود التي بذلت في هذا الإطار، فإن بعض الإنجازات ظلت دون مستوى الأهداف المسطرة.

 في هذا السياق، أبرز تقرير مجلس الحسابات أن المداخيل المحققة خلال الفترة الممتدة من 2017  إلى 2021  بلغت ما قدره 62 مليار درهم. وتهم 55,6 مليار درهم من هذه المداخيل تكفلات عن نفس الفترة والبالغة 124 مليار درهم، حيث لم يتجاوز معدل تحصيلها 45 %  مع نهاية 2021.

في المقابل بلغت المداخيل التي تم تحصيلها عن الباقي استخلاصه المتعلق بالفترة ما قبل سنة 2017 والبالغ 61,6 مليار درهم، حوالي 6,3 مليار درهم أي بمعدل تحصيل يقارب 10 %، وهو ما يثبت أن إمكانيات التحصيل تتقلص بشكل كبير مع قدم الديون. ويعزى ضعف معدلات التحصيل أساسا إلى الأعداد والمبالغ الكبيرة للإصدارات صعبة التحصيل بالنظر إلى آجال إصدارها وإلى ضعف مردودية إجراءات التحصيل الجبري.

 صعوبات تواجه إدارة الضرائب

أشارت المديرية العامة للضرائب في جوابها على ملاحظات المجلس الأعلى للحسابات، إلى أن حوالي 49%  من إجمالي الباقي استخلاصه يتكون من إصدارات تعترضها صعوبات حقيقية في التحصيل، وتتعلق إما بديون كانت موضوع وقف قضائي لإجراءات التحصيل، أو بديون متنازع بشأنها لدى المحاكم المختصة، أو بديون كانت موضوع تصريح بالدين في إطار المساطر الجماعية  (مساطر الإنقاذ، التسوية أو التصفية القضائية)، أو بديون قديمة تضاءلت فرص تحصيلها بشكل كبير بعد انصرام أكثر من 8 سنوات على الشروع في تحصيلها.

وأكدت المديرية العامة للضرائب أن معدل التحصيل لإصدارات السنة الجارية يكون دائما أعلى مما يتم تحقيقه على إصدارات السنوات السابقة، وذلك لكون كافة مهن الإدارة الجبائية تساهم في تحقيق هذا الهدف، عبر إبرام اتفاقيات ودية فيما يخص المراقبة بعين المكان أو من خلال تدقيق الوثائق ومعالجة الشكايات ومباشرة إجراءات التحصيل.

وبينت المديرية أيضا أن فرص التحصيل تتضاءل بشكل كبير بعد مضي سنة تحمل الإصدارات، نظرا لطبيعة الديون الضريبية المتنازع بشأنها، وصعوبة تحديد موطن بعض الملزمين من أجل إشعارهم فعليا، أو منازعة الديون الضريبية أمام اللجان أو المحاكم المختصة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بإصدارات تهم المراقبة الجبائية أو الضريبة على لدخل فيما يخص الأرباح العقارية، حيث يتم معالجة الباقي استخلاصه غالبا عبر الإسقاطات أو قبول الإلغاء.

في جانب أخر، أفادت المديرية أن الارتفاع الملاحظ في حجم الباقي استخلاصه يرجع إلى تعزيز الإدارة الجبائية لآليات محاربة الغش والتهرب الضريبيين، مما مكن من الرفع بشكل ملموس من العائدات الضريبية الإضافية، وبالموازاة مع ذلك ارتفاع حجم الباقي استخلاصه. وبررت المديرية كذلك ارتفاع الباقي استخلاصه بتداعيات الأزمة الصحية الناجمة عن كوفيد-19، خصوصا بعد التوقيف المؤقت لعمليات التحصيل الجبري المتزامن مع تشجيع الملزمين على تسوية وضعيتهم الجبائية بشكل ودي.

أترك تعليقا